Colette
عدد الرسائل : 156 العمر : 35 الموقع : http://colette.myblogland.com/index.htm تاريخ التسجيل : 25/05/2008
| موضوع: هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم (41) الثلاثاء ديسمبر 16, 2008 4:21 am | |
| هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم (41)
بسم الله الرحمن الرحيم
تنزيهُ الله عن المكان والجهة (1)
اعْلَمْ أَنَّ عَقِيدَةَ كُلِّ الأَنْبِيَاءِ وَأتْبَاعِهِمُ الْمُسْلِمينَ أَنَّ اللهَ تعالى هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ مِنَ الأَعْمَالِ والأجْسامِ وَأَنَّ اللهَ تعالى كَانَ مَوْجُودًا في الأَزَلِ -أي في ما لا ابْتِدَاءَ لَهُ- وَهُوَ خَلَقَ أَيْ أَبْرَزَ مِنَ الْعَدَمِ إلى الوُجُودِ كُلَّ الْمَخْلُوقَاتِ وَصِفَاتِهَا كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالْمَرَارَةِ والْحَلاوَةِ والْيُبُوسَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ سُبْحَانَهُ وتعالى لا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَخَلْقِهِ ولا يَجُوزُ أَنْ يَتَّصِفَ بِصِفَاتِ الْخَلْقِ قالَ اللهُ تعالى "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ"، وَمِنْ جُمْلَةِ صِفَاتِ الْخَلْقِ أَنَّ الْحَجْمَ يَكُونُ في مَكَانٍ وَجِهَةٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللهَ لَيْسَ حَجْمًا لأَنَّهُ خَالِقُهُ فَلا يَجْوزُ على اللهِ أَنْ يَكُونَ في مَكَانٍ أَوْ جِهَةٍ.
ت: يعني توفي<مـات>
وَقَدْ عَرَّفَ عُلَمَاءُ الإسْلامِ الْمَكَانَ بِحَيْثُ يُعْرَفُ مِنْ هَذا التَّعْرِيفِ أَنَّهُ لا يَجُوزُ على اللهِ أنْ يَكُونَ في مَكانٍ، قَالَ اللُّغَوِيُّ الرَّاغِبُ الأصْفَهَانِيُّ ت502 هـ مَا نَصُّهُ "الْمَكَانُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْمَوْضِعُ الْحَاوِي للشَّىْءِ" اهـ.
قَالَ الْعَلامَةُ كَمَالُ الدِّينِ الْبَيَاضِيُّ الْحَنَفِيُّ ت 1098 هـ "الْمَكَانُ هُوَ الْفَرَاغُ الَّذِي يَشْغَلُهُ الْجِسْمُ" اهـ.
قَالَ الْحَافِظُ الْمُحَدِّثُ الْفَقِيهُ اللُّغَويُّ مُحَمَّدُ مُرْتَضى الزَّبيديُّ ت 1205 هـ "الْمَكَانُ الْمَوْضِعُ الْحَاوِي للشَّىْء"
قَالَ الشَّيْخُ سَلامَةُ الْقَضَاعِيُّ العزَامِيُّ الشَّافِعِيُّ ت 1376 هـ "الْمَكَانُ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَكُونُ فيهِ الجوْهَرُ على قَدْرِهِ وَالْجِهَةُ هِيَ ذَلِكَ الْمَكَانُ".
قَالَ اللُّغَوِيُّ مَجْدُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوبَ الْفَيْرُوزءابادي ت 817 هـ "وَالْجِهَةُ النَّاحِيَةُ"
وَقَالَ الْبَياضِيُّ "وَالْجِهَةُ اسْمٌ لِمُنْتَهَى الإشَارَةِ وَمَقْصِدِ الْمُتَحَرِّكِ فَلا يَكُونَانِ إِلا لِلْجِسْمِ وَالْجِسْمَانِيِّ وَكُلُّ ذَلِكَ مُسْتَحيلٌ عَلى اللهِ" اهـ.
قَالَ الشَّيخُ مُصْطَفى بنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْكَسْتَلِّيِّ ت 901 هـ ما نَصُّهُ "قَدْ تُطْلَقُ الْجِهَةُ وَيُرَادُ بِهَا مُنْتَهى الإشَاراتِ الْحِسِّيَّةِ أَوِ الْحَرَكَات الْمُسْتَقِيمَة فَتَكُونُ عِبَارَةً عَنْ نِهَايَةِ الْبُعْدِ الَّذي هُوَ الْمَكَانُ، وَمَعْنى كَوْنِ الْجِسْمِ في جِهَةٍ أَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ في مَكَانٍ يَلي تِلْكَ الْجِهَةَ، وَقَدْ يُسَمَّى الْمَكَانُ الَّذي يَلي جِهَةً مَا بِاسْمِهَا كَمَا يُقَالُ فَوْقَ الأَرْضِ وَتَحْتَهَا فَتَكُونُ الْجِهَةُ عِبَارَةً عَنْ نَفْسِ الْمَكَانِ باعْتِبَارِ إضَافَةٍ مَا" اهـ.
قَالَ الإمامُ أَحْمَدُ بنُ سَلامَةَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ ت 321 هـ في عَقيدَتهِ الَّتي هِيَ عَقيدَةُ كُلِّ الْمُسْلِمينَ وَالَّتي ذَكَرَ في بِدَايَتِهَا قَوْلَهُ "هَذَا ذِكْرُ بَيانِ عَقيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ والْجَمَاعَةِ" ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنِ اللهِ تعالى "تَعالى عَنِ الْحُدُودِ وَالْغَاياتِ والأَرْكَانِ والأعْضَاءِ والأَدَواتِ لا تَحْويِهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ". فَمَعْنَى قَوْلِهِ "تعالى" أي تَنَزَّهَ اللهُ، وَقَوْلِهِ "عَنِ الْحُدُودِ" مَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ لا حَجْمَ لهُ لأَنَّهُ خَالِقُ الأَحْجَامِ وَالْمَحْدُودُ عِنْدَ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ والشَّرْعِ مَا لَهُ حَجْمٌ كَبُرَ أَوْ صَغُرَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ "وَالغَاياتِ" جَمْعُ غَايَةٍ وَهِيَ النِّهَايَةُ وَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الأَجْسَامِ، وَقَوْلِهِ "وَالأَرْكَانِ" جَمْعُ رُكْنٍ وَمَعْنَاهُ الْجَانِبُ وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الأَجْسَامِ، وَقَوْلِهِ "والأَعْضَاءِ" جَمْعُ عُضْوٍ وَهُوَ الْجُزْءُ الْكَبيرُ كَالْيَدِ الْجَارِحَةِ والْوَجْهِ الْجَارِحَةِ، وقَوْلِهِ "وَالأَدَوَاتِ" جَمْعُ أَدَاةٍ وَهُوَ الْجُزْءُ الصَّغيرُ كَاللِّسَانِ واللَّهَاةِ وَالأَضْرَاسِ، وقَوْلِهِ "لا تَحْويهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ" مَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ مَوْجُودٌ بِلا مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ لأَنَّ الْجِهَاتِ السِّتَّ هِيَ فَوْقٌ وَتَحْتٌ وَيَمِينٌ وَشِمَالٌ وَأَمَامٌ وَخَلْفٌ، وَقَولِهِ "كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعاتِ" مَعْنَاهُ أَنَّ الْجِهَةَ وَالْمَكَانَ مِنْ صِفَاتِ الْمُبْتَدَعَاتِ أَيِ الْمَخْلُوقَاتِ وَاللهُ تعالى مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ. قَالَ اللهُ تعالى: "وَللهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى" أَيْ للهِ الْوَصْفُ الَّذي لا يُشْبِهُ وَصْفَ غَيْرِهِ.
هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم (42)
بسم الله الرحمن الرحيم
تنزيهُ الله عن المكان والجهة (2)
قَالَ اللهُ تعالى "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ" فَاللهُ تعالى لا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، ففي هَذِهِ الآيَةِ نَفْيُ الْمُشَابَهَةِ وَالْمُمَاثَلَةِ فلا يَحْتَاجُ اللهُ إلى مَكَانٍ يَحُلُّ فيهِ وَلا إلى جِهَةٍ يَتَحَيَّزُ فيها بَلِ الأَمْرُ كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا عَلِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ "كَانَ اللهُ ولا مَكَانٌ وَهُوَ الآنَ على ما عَلَيْهِ كَانَ" رَوَاهُ الإمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ. وَفي هَذِهِ الآيَةِ دَليلٌ لأَهْلِ السُّنَّةِ على مُخَالَفَةِ اللهِ لِلْحَوَادِثِ، وَمَعْنى مُخَالَفَةِ اللهِ للحَوَادِثِ أَنَّهُ لا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقَاتِ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.
وَالدَّليلُ العَقْلِيُّ على أَنَّ اللهَ لا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُشْبِهُ شَيئًا لَجَازَ عَلَيْهِ ما يَجُوزُ على الْخَلْقِ مِنَ التَّغَيُّرِ وَالتَّطَوُّرِ وَلَوْ جَازَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لاحْتَاجَ إلى مَنْ يُغَيِّرُهُ وَالْمُحْتَاجُ إِلى غَيْرِهِ لا يَكُونُ إِلَـهًـا فَثَبَتَ أَنَّ اللهَ لا يُشْبِهُ شَيْئًا. وَمَمَّا يَدُلُّ على ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تعالى "فلا تَضْرِبُوا للهِ الأَمْثَال" أَي لا تَجْعَلُوا للهِ شَبِيهًا وَمِثْلاً فَإِنَّ اللهَ لا مِثْلَ لَهُ فَلا يُشْبِهُ ذَاتُهُ –أَيْ حَقيقتُهُ- الذَّوَاتِ ولا صِفَاتُهُ الصِّفاتِ أَيْ صِفَاتِ الْخَلْقِ وَقَالَ تعالى "هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا" مَعْنَاهُ اللهُ لا مِثْلَ لَهُ، فَمَنْ قَالَ إِنَّ اللهَ يَسْكُنُ في مَكَانٍ أَوْ في جَميعِ الأَمْكِنَةِ أَوْ إِنَّهُ يَجْلِسُ على الْعَرْشِ أَوْ مُتَحَيِّزٌ فَوْقَ الْعَرْشِ فَقَدْ كَذَّبَ الْقُرْءانَ والحَديثَ وإِجْمَاعَ الأُمَّةِ الإسْلامِيَّةِ وخَالَفَ قَضِيَّةَ الْعَقْلِ. وَالشَّرْعُ هُوَ الأَصْلُ وَالْعَقْلُ الصَّحيحُ شَاهِدٌ لَهُ، وَلا يَأتي الشَّرْعُ إِلا بِمُجَوَّزَاتِ الْعُقُولِ أَيْ بِمَا هُوَ جَائِزٌ عَقْلاً.
قَالَ الْحَافِظُ الْفَقيهُ أَحْمَدُ بنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ ت458 في كِتَابِهِ الأسْمَاءُ والصِّفاتُ ما نَصُّهُ "اسْتَدَلَّ بَعْضُ أصْحَابِنَا بِنَفي الْمَكَانِ عَنِ اللهِ تعالى بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم :أَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَىْءٌ وَأَنْتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَىءٌ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَوْقَهُ شَىءٌ ولا دُونَهُ شَىءٌ لَمْ يَكُنْ في مَكَانٍ" اهـ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ عليهِ السَّلامُ عنِ اللهِ تعالى "الظَّاهِر" الَّذي كُلُّ شَىْءٍ يَدُلُّ على وُجُودِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ "البَاطِنُ" الَّذي احْتَجَبَ عَنِ الأَوْهَامِ فلا تُدْرِكُهُ.
وَقَالَ في كِتَابِهِ الاعْتِقادُ مَا نَصُّهُ: "قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غَيْرُهُ يَدُلُّ على أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غَيْرُهُ، لا العَرْشُ ولا الْمَاءُ ولا غَيْرهما وَكُلُّ ذَلِكَ أَغْيَارٌ" اهـ. فَإِنْ قيلَ مَا الْحِكْمَةُ مِنْ خَلْقِ الْعَرْشِ فَالْجَوابُ: إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْعَرْشَ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ مَكَانًا لِذَاتِهِ كَمَا قَالَ الإمامُ عَلِيّ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ في كَتَابِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفِرَقِ. فَإِنْ قِيلَ كُلُّ شَىْءٌ مِنَ الْخَلْقِ دَلِيلٌ عَلى قُدْرَةِ الله فَلِمَ خُصَّ العَرْشُ مِنْ بَيْنِ الْخَلْقِ فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْعَرْشَ هُوَ أَكْبَرُ جِسْمٍ خَلَقَهُ اللهُ مِنْ حَيْثُ الْحَجْمُ وَهُوَ قَاهِرُهُ وَقَاهِرُ مَا دُونَهُ، أَلا تَرَى أَنَّ اللهَ قَالَ "وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعِظِيم" خَصَّ الْعَرْشَ بِالذِّكْرِ في الآيَةِ مَعَ أَنَّهُ رَبُّ كُلِّ شَىْءٍ.
قَالَ الصَّحَابِيُّ الجليلُ عَلِيُّ بنُ أبي طالبٍ ت40هـ "كَانَ اللهُ وَلا مَكَان وَهُوَ الآنَ على مَا عَلَيْهِ كَان" اهـ أي مَوْجُودٌ بِلا مَكَانٍ. رَوَاهُ أبو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيّ في الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِرَقِ.
قَالَ الإمَامُ التَّابِعيُّ الْجليلُ أَفْضَلُ قُرَشِيٍّ في زَمانِهِ عَلِيُّ بنُ الْحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ زَيْنُ الْعَابِدينَ رضي الله عنهم: ت94 هـ في الصَّحيفَةِ السَّجَادِيَّةِ مَا نَصُّه "أَنْتَ اللهُ الَّذي لا يَحْوِيكَ مَكَانٌ" رَوَى ذلِكَ عَنْهُ الإمامُ الْحافِظُ الفقيهُ اللُّغَويُّ مَحَمَّدُ مُرْتَضى الزَّبيدِيُّ بالإسْنَادِ الْمُتَّصِلِ مِنْهُ إِلَيْهِ بِطَريقِ أَهْلِ الْبَيْتِ.
قَالَ الإمامُ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ت148 هـ "مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ مِنْ شَىْءٍ أَو في شَىْءٍ أَو على شَىْءٍ فَقَدْ أَشْرَكَ إِذْ لَوْ كَانَ على شَىْءٍ لَكَانَ مَحْمُولا وَلَوْ كَانَ في شَىْءٍ لَكَانَ مَحْصُورًا وَلَوْ كَانَ مِنْ شَىْءٍ لَكَانَ مُحْدَثًا -أَي مَخْلُوقًا-" اهـ.
فَيُعْلَمُ مِنْ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ اللهَ تعالى الَّذي خَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ لا يَحْتَاجُ إلى شَىْءٍ وَلا يُشْبِهُ شَيْئًا ولا يَحْتاجُ إلى جِهَةٍ وَلا إلى مَكَانٍ، كَوَّنَ الأَكْوَانَ وَخَلَقَ الزَّمَانَ فَهُوَ مَوْجُودٌ أَزَلاً وَأَبَدًا بِلا جِهَةٍ وَلا مَكان.
هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم (43)
بسم الله الرحمن الرحيم
تنزيهُ الله عن المكان والجهة (3)
الْحَمْدُ للهِ جُمْهُورُ الأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مِئاتُ الْمَلايينِ عُلَمَاؤُهُمْ في الشَّرْقِ وَالغَرْبِ يَعْتَقِدُونَ وَيُدَرِّسُونَ أَنَّ اللهَ تباركَ وتعالى مَوْجُودٌ مُنَزَّهُ عَنِ الْحَجْمِ وَالْمَكَانِ وَالْجِهَةِ.
قَالَ الإمَامُ الْمُجْتَهِدُ أَبُو حَنيفَةَ النُّعْمَانُ بنُ ثَابِتٍ الْكُوفِيُّ ت150 هـ في كِتَابِهِ الْفِقْهُ الأَبْسَطُ "كَانَ اللهُ تَعالى وَلا مَكَان قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ وَكَانَ اللهُ تعالى وَلَمْ يَكن أَيْنٌ وَلا خَلْقٌ وَلا شَىْءٌ وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ" اهـ.
نَقَلَ الْحَافِظُ الزَّبِيدِيُّ في كِتَابِهِ اتْحَافُ السَّادَةِ الْمُتَّقينَ عَنِ الإمَامِ الْمُجْتَهِدِ الشَّافِعي ت 204 هـ "إِنَّهُ تعالى كَانَ وَلا مَكَانَ فَخَلَقَ الْمَكَانَ وَهُوَ على صِفَةِ الأَزَلِيَّةِ كَمَا كَانَ قَبْلَ خَلْقِهِ الْمَكَانَ لا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّغْييرُ في ذَاتِهِ وَلا التَّبْديلُ في صِفَاتِهِ" اهـ.
قَالَ الإمَامُ الْعَابِدُ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ ت 245 هـ ما نَصُّهُ "الرَّحْمَنُ على الْعَرْشِ اسْتَوَى أَثْبَتَ ذَاتَهُ وَنَفَى الْمَكَانَ فَهَوَ مَوْجُودٌ بِذَاتِهِ وَالأَشْيَاءُ مَوْجُودَةٌ بِحُكْمِهِ كَمَا شَاءَ سُبْحَانَهُ" اهـ. وَلْيُعْلَمْ أنَّ كَلِمَةَ اسْتَوى في لُغَةِ الْعَرَبِ لَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ مَعْنًى كَمَا قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ ابنُ الْعَرَبيِّ، وَمِنْ هَذِهِ الْمَعَاني ما يَليقُ بِاللهِ تعالى كَقَهَرَ وَحَفِظَ وَأَبْقَى فَيَجُوزُ حَمْلُهَا على ذَلِكَ في حَقِّ اللهِ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَعَانِيها مَا يَليقُ بِالْخَلْقِ ولا يَليقُ بِاللهِ كَتَمَّ وَجَلَسَ واسْتَقَرَّ وَنَضِجَ فَلا يَجُوزُ حَمْلُهَا في الآيَةِ على هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتي لا تَليقُ بِاللهِ.
قَالَ الإِمَامُ أبو بَكْرِ ابنُ فُورَكٍ ت 406 هـ في كتابِهِ مُشْكِلُ الْحَديثِ "لا يَجُوزُ على اللهِ تعالى الْحُلُولُ في الأمَاكِنِ لاسْتِحَالَةِ كُونِهِ مَحْدُودًا وَمُتَنَاهِيًا وَذَلِكَ لاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مُحْدَثًا" اهـ. مَعْنَاهُ اللهُ مَوْجُودٌ بِلا مِكَان لأَنَّ الْمَوْجُودَ في مَكَانٍ حَجْمٌ لَهُ مِقْدَارٌ وَنِهَايَةٌ وَمُسْتَحِيلٌ أَنْ يَكُونَ اللهُ شَيْئًا مَخْلُوقًا.
قَالَ الإمَامُ الْفَقيهُ أبو إسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ الشَّافعيُّ ت 476 هـ في كتابِهِ الإشَارَةُ إلى مَذْهَبِ أهلِ الْحَقِّ: "إِنَّهُ –أَيِ اللهَ تعالى- كانَ وَلا مَكَانَ ثُمَّ خَلَقَ الْمَكَانَ وَهُوَ الآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ" اهـ.
قَالَ الشَّيخُ أبو حامِدٍ الغَزَاليُّ ت 505 هـ في كتابِهِ قَوَاعِدُ الْعَقائِدِ: "تَعالى –أيِ الله- عَنْ أَنْ يَحْوِيَهُ مَكَانٌ كَمَا تَقَدَّسَ عَنْ أَنْ يَحُدَّهُ زَمَانٌ بَلْ كَانَ قَبْلَ خَلْقِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وهُوَ الآنَ على ما عليهِ كانَ" اهـ.
قَالَ الْقَاضِي أبو بَكْرِ ابنُ الْعَرَبِيُّ الْمَالِكِيُّ ت 543 هـ في كتابِهِ الْقَبَسُ في شَرْحِ مُوطَّإِ مالِكِ ابنِ أنَس "الْبَارِئُ يَتَقَدَّسُ عَنْ أنْ يُحَدَّ بِالْجِهَاتِ أوْ أنْ تَكْتَنِفَهُ الأَقْطَارُ" اهـ.
قَالَ الْمُفَسِّرُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ ت 606 هـ في تَفسيرِهِ التَّفسيرُ الكبيرُ ما نَصُّهُ: "قَوْلُهُ تعالى وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعظِيمُ لا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ عَلَيًّا الْعُلُوَّ بِالْجِهَةِ وَالْمَكَانِ لِمَا ثَبَتَتِ الأَدِلَّةُ على فَسَادِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْعَلِيِّ الْمُتَعَالِي عَنْ مُشَابَهَةِ الْمُمْكِنَاتِ وَمُنَاسَبَةِ الْمُحْدَثَاتِ" اهـ. أَمَّا مَعْنَى الْعَظيمُ الَّذي هُوَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ قَدْرًا.
قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينُ بنُ عَبْدِ السَّلام ت 660 هـ في كِتَابِهِ مُلْحَةُ الاعْتِقَادِ عَنِ الله تعالى "لَيْسَ بِجِسْمٍ مُصَوَّرٍ وَلا جَوْهَرٍ مَحْدُودٍ مُقَدَّرٍ وَلا يُشْبِهُ شَيْئًا وَلا يُشْبِهُهُ شَىْءٌ وَلا تُحِيطُ بِهِ الْجِهَاتُ وَلا تَكْتَنِفُهُ الأرَضَونَ وَلا السَّموَاتُ كَانَ قَبْلَ أَنْ كَوَّنَ الأَكْوَانَ وَدَبَّرَ الزَّمَانَ وهُوَ الآنَ على مَا عَلَيْهِ كَانَ" اهـ.
| |
|