هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم (7)
بسم الله الرحمن الرحيم
تَفَكَّرُوا في الْخَلْقِ وَلا تَفَكَّرُوا في الْخَالِقِ
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "لا فِكْرَةَ في الرَّبِّ". رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الأَنْصَارِيِ، مَعْنَاهُ أَنَّ مَعْرِفَةَ اللهِ لا تُطْلَبُ بِالتَّصَوُّرِ وَلا بِالتَّوَهُّمِ لأَنَّ حُكْمَ الْوَهْمِ يُؤَدِّي إِلى الْغَلَطِ. بَعْضُ الْجُهَّالِ مُصيبَتُهُم أَنَّهُمْ لا يَقْبَلونَ أَنْ يَعْتَقِدُوا بِوجُودِ اللهِ تعالى دُونَ أَنْ يَتَصَوَّرُوهُ، يَقُولُونَ كَيْفَ نَعتَقِدُ بِوُجُودِ مَوْجُودٍ دُونَ أَنْ نَتَصَوَّرَهُ؟ هَؤُلاءِ يُقالُ لَهُمْ اللهُ تباركَ وتعالى لا يَجُوزُ أَنْ تُطْلَبَ مَعْرِفَتُهُ بِالتَّصوُّرِ، لأَنَّ اللهَ لَيْسَ شَيئًا يُتَصَوَّرُ، لأَنَّ الْمُتَصَوَّرَ لا بُدَّ لَهُ مِنْ مُصَوِّرٍ صَوَّرَهُ عَلَى شَكْلٍ دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ اللهُ تعالى الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ فَلا خَالِقَ وَلا مُصَوِّرَ لَهُ، فَالْمُتَصَوَّرُ مَخْلُوقٌ، وَالْخَاطِرُ مَخْلُوقٌ، وَالتَّفَكُّرُ مَخْلُوقٌ، وَكُلُّ مَا يَتَصَوَّرُهُ الإنْسَانُ بِقَلْبِهِ مِنْ صُوَرٍ وَأَشْكَالٍ لأَشْيَاءَ رَآهَا أَوْ لَمْ يَرَهَا فَكُلُّ ذَلِكَ مَخْلُوقٌ، الْقَمَرُ رَأيْتَهُ فَإِنْ تَصَوَّرْتَهُ فَتَصَوُّرُكَ مَخْلُوقٌ لأَنَّ الْمُتَصَوَّرَ وَهُوَ الْقَمَرُ مَخْلُوقٌ، وَالْعَرْشُ لَمْ تَرَهُ فَإِنْ تَصَوَّرْتَهُ فَتَصَوُّرُكَ مَخْلُوقٌ لأَنَّ الْمُتَصَوَّرَ وَهُوَ الْعَرْشُ مَخْلُوقٌ. أَمَّا اللهُ تعالى فَلَيْسَ مَخْلُوقًا، لِذَلِكَ مَهْمَا أَتْعَبَ الإنْسَانُ فِكْرَهُ لِيتَصَوَّرَ اللهَ بِزَعْمِهِ فَلَنْ يَصِلَ إِلى نَتِيجَةٍ صَحِيحَةٍ، لأَنَّهُ لا صُورَةَ لَهُ فَكَيْفَ يتَصَوَّرُ مَا لَيْسَ لَهُ صُورَةٌ وَلأَنَّهُ لا كَيْفَ لَهُ فَكَيْفَ يَتَوَهَّمُ مَا لا تُحْيطُ بِهِ الأَوْهَامُ، لِذَلِكَ قَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "إِنَّ الَّذِي كَيَّفَ الْكَيْفَ لا كَيْفَ لَهُ".
وَقَوْلُنَا التَّصَوُّرُ -في هذَا الْمَوْضِعِ- يُؤَدِّي إِلى الْحُكْمِ غَلَطًا لأَنَّ التَّصَوُّرَ هُوَ قِياسُ شَىْءٍ لَمْ تَرَهُ بِشَىْءٍ رَأيْتَهُ وَأَنْتَ أَيُّها الإِنْسَانُ مَا رَأَيْتَ إِلاَّ الْمَخْلُوقاتِ فَإِذَا أَرَدْتَ أنْ تَتَصَوَّرَ شَيْئًا فََيَذْهَبُ بِكَ الْوَهْمُ إلى قياسِ مَا لَمْ تَرَ عَلَى مَا رَأَيْتَ وَاللهُ تَبَارَكَ وَتَعالى لا يَجُوزُ أَنْ يُقاسَ بِالْمَخْلُوقاتِ، لِذَلِكَ التَّصَوُّرُ يُؤَدِّي بِكَ إلى الْحُكْمِ غَلَطًا عَلَى الأشْياءِ، واللهُ تباركَ وتعالى لَمْ نَرَهُ، فإِذا أرادَ تَصَوُّرُنا أنْ يَنْصَرِفَ إلى تَصَوُّرِ اللهِ تعالى فَهَذَا يُؤدي إلى الغَلَطِ يُؤدِّي إلى حُكْمِ الْوَهْمِ وَنَحْنُ لَسْنَا مُكَلَّفينَ بِاتِّبَاعِ الْوَهْم بَلْ مُكَلَّفينَ بِاتِّباعِ الشَّرْعِ، والقُرْءانُ أَثْبَتَ أنَّ اللهَ تباركَ وتعالى لا تُدْرِكُهُ الأوْهامُ، فَقَالَ تعالى:
} لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ { [الأنعام، 103] أَيْ لا تُحِيطُ بِهِ الأَوْهَامُ. وَقالَ تعالى: } وَأَنَّ إلى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى { [النَّجْم، 42] أَيْ إِلَيْهِ تَنْتَهي أَفْكارُ العِبَادِ فَلا تَصِِلُ إِليْهِ كَمَا فَسَّرَهَا أَقْرَأُ الصَّحَابَةِ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ وَالتَّابِعِيُّ الْوَلِيُّ الْمَشَهُورُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي نُعم، فَقَالَ أُبَيٌّ في تَفْسِيرِهَا "إِلَيْهِ ينْتَهي فكرُ من تفكر " اهـ وَقَالَ ابنُ أبي نُعم في تَفْسِيرِهَا "إليهِ يَنْتَهِي فِكْرُ مَنْ تَفَكَّر". هَذَا الَّذي أَثْبَتَهُ الشَّرْعُ، وَهَذا الَّذي يَقْبَلُهُ العَقْلُ، لأنَّ العَقْلَ شاهِدٌ لِلشَّرْعِ، فَأَهْلُ السُّنَّةِ اللهُ تعالى هَدَاهُمْ لِلْمَعاني الَّتي تُوافِقُ الشَّرْعَ والعَقْلَ، أمَّا أُولئِكَ الَّذِينَ لا يقْبَلُون إِلا أَنْ يَتَصَوَّرُوا اللهَ فَمَحْرومونَ مِنْ هَذا، مَحْرُومُونَ مِنَ التَّفَكُّرِ الَّذِي أَمَرَنَا اللهُ تعالى بِهِ في قَوْلِهِ:
} أَوَلَمْ يَنْظُرُوا في مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَىْءٍ { [سُورَةُ الأَعْراف، 185] اللهُ تعالى أَمَرَنَا بِالتَّفَكُّرِ في مَصْنُوعَاتِهِ حَتَّى نَعْرِفَ أَنَّهُ لاَ يُشْبِهُهَا، لاَ يُشْبِهُ مَصْنوعاتِهِ -مَخْلوقاتِهِ- هَذِهِ الآيةُ تأْمُرُنَا بِالتَّفَكُّر، التَّفَكُّرُ في خَلْقِ اللهِ مَطْلُوبٌ لأَنَّهُ يُقَوِّي اليَقِيِن بِوُجُودِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ، أَمَّا التَّفَكُّرُ في ذَاتِ اللهِ مَمْنُوُع، لِمَاذا؟ لأَنَّ الله لاَ يُشْبِهُ شَيْئًا، كَيْفَ نُصَوِّرَهُ في نُفُوسِنَا؟ لاَ يُمْكِنُ، مَنْ تَصَوَّرَهُ حَجْمًا كَبِيِرًا كَالْعَرْشِ أَوْ أَوْسَعَ مِنَ الْعَرْشِ مَا عَرَفَهُ، وَمَنْ تَصَوَّرَهُ حَجْما صَغِيِرا كَحَجْمِ الإنسان مَا عَرَفَهُ، وَمَنْ تَصَوَّرَهُ حَجْمًا مُتَحَيِّزًا في جِهَةِ فَوْقٍ مَا عَرَفَهُ، وَمَنْ تَصَوَّرَهُ حَجْمًا مُتَحَيِّزًا في جِهَةِ تَحَت مَا عَرَفَهُ، ومَنْ تَصَوَّرَهُ أَنَّهُ مُحِيطٌ بِجَمِيِعِ الْجِهَاتِ بِحَيْثُ تَكُونُ جَمِيعُ الْجِهَاتِ الْعَرْش وَالأَرْض وَالسَّمَاوَات كُلّها في دَاخِلِهِ مَا عَرَفَهُ، لِذَلِكَ حَرَامٌ عَليْنَا أَنْ نَتَفَكَّرَ في ذَاتِ اللهِ لأَنَّنَا لاَ نَسْتَطيعُ أَنْ نتَصَوَّرَهُ لأَنَّهُ لاَ يُشْبِهُ شَيئًا، إِنَّمَا نَتَفَكَّرُ في مَخْلُوقَاتِهِ، نَنْظُرُ في حَالِ الأَرْضِ، الأَرْضُ في الشِّتَاءِ بَارِدَةُ الْمَلْمَس، وَفي الصَّيفِ حارَّةُ الْمَلْمَس، نقولُ مَا الَّذِي جَعَلَهَا تَتَغَيَّرُ مِنْ حَالٍ إِلى حَال، هِيَ بِنَفْسِهَا لاَ تَفْعَلُ هَذَا، بَلْ لَهَا فَاعِلٌ يُحَوِّلُهَا مِنْ حَالٍ إِلى حَال، وَكَذلِكَ السَّماءُ لَهَا حَالاَتٌ مُخْتَلِفةٌ، وَكذلكَ الإنسانُ، وَكذلِكَ الأشْجارُ، وَكَذلِكَ النَّباتاتُ تَتَحوَّل مِن حالٍ إِلى حال. فَلاَ بُدَّ لَهَا مِن مُحَوِّلٍ يُحَوِّلُهَا مِنْ حَالٍ إِلى حَالٍ، كَمَا أَنَّهُ لا بُدَّ لَهَا مِن خاَلِقٍ أَخْرَجَهَا مِنَ العَدَمِ إِلى الوجود. لِهَذَا أُمِرْنَا بِالتَّفَكُّرِ في خَلْقِ الله، بِهَذَا الفَهْمِ بِهَذَا التَّفَكُّرِ يَصِلُ إِلى هَذَا، لِذَلِكَ اللهُ أَمَرَنَا بِالتَّفَكُّرِ في خَلْقِهِ، أَمَّا التَّفَكُّر في ذَاتِهِ -أَيْ حَقيقَتِهِ- مُنِعْنَا عَنْهُ، نُهِينا عنه، لأَنَّ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُصَوِّرَ الله لاَ يَصِلُ إِلى نَتِيجَةٍ صَحِيحَةٍ، لِذَلِكَ نُهِينَا عَنِ التَّفَكُّرِ في ذَاتِ اللهِ، في حَقيقةِ اللهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ "تَفَكَّرُوا في كُلِّ شَىْءٍ وَلا تَفَكَّرُوا في ذَاتِ اللهِ".
كُلُّ الأَئِمَّةِ مِنَ الْصَّحَابَةِ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُم يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللهَ تَعَالى لا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ وَأَنَّ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثَ الَّتِي تُوهِمُ ظَوَاهِرُهَا خِلافَ ذَلِكَ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهَا تِلْكَ الْظَّوَاهِرَ لِذَلِكَ قَالَ الإمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الْطَّحَاوِيُّ الَّذِي كَانَ في الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ لِلْهِجْرَةِ في عَقِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمينَ عَنِ اللهِ: "تَعَالى عَنِ الْحُدُودِ وَالْغَايَاتِ وَالأَرْكَانِ وَالأَعْضَاءِ وَالأَدَوَاتِ لا تَحْوِيهِ الْجِهَاتُ الْسِّتُّ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ"، مَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ تعالى مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَكُونَ حَجْمًا لأَنَّ الْمَحْدُودَ في اللُّغَةِ وَعِنْدَ عُلَمَاءِ الْشَّرْعِ مَا لَهُ حَجْمٌ صَغُرَ أَوْ كَبُرَ. وَالْغَايَاتُ هِيَ النِّهَايَاتُ وَذَلِكَ مِنْ أَوْصَافِ الأَحْجَامِ. وَالأَعْضَاءُ هِيَ الأَجْزَاءُ الْكَبِيرَةُ كَالْرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ وَالْرِّجَْلَيْنِ. وَالأَرْكَانُ هِيَ الْجَوانِبُ وَهَذَا مِنْ صِفَاتِ الأَجْسَامِ. وَالأَدَوَاتُ أيِ الأَجْزَاءُ الصَّغِيرَةُ كَالأَنْفِ وَالْشَّفَةِ وَاللهات وَاللهُ تعالى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَوْلُهُ "لا تَحْويهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ" أَيْ لا يُوصَفُ اللهُ بِأَنَّهُ تُحِيطُ بِهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كَمَا أَنَّ الْمَخْلُوقَ تُحِيطُ بِهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ، بَعْضُ الْمَخْلُوقَاتِ في جِهَةِ فَوْقٍ وَبَعْضُهَا في جِهَةِ تَحَت وَبَعْضُهَا في جِهَةِ الشَّمَالِ وَبَعْضُهَا في جِهَةِ الْجَنُوبِ وَبَعْضُهَا في جِهَةِ الشَّرْقِ وَبَعْضُهَا في جِهَةِ الْغَرْبِ أَمَّا اللهُ تعالى فَلَيْسَ مُتَحَيِّزًا في جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ الْسِّتِّ، وَعَلَى هَذَا كَانَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ، وَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَهُوَ ضَالٌّ شَذَّ عَنْ جُمْهُوِرِ الأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَهُمُ السَّوَادُ الأَعْظَمُ الَّذي وَرَدَ في الْحَدِيثِ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مُبْتَدِعٌ في الْعَقيدةِ بِدْعَةَ ضَلالَةٍ.
روَى البَيْهَقِيُّ عَنِ الإِمامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قالَ : مَنْ انْتَهَضَ لِمَعْرِفَةِ مُدَبِّرِهِِ فَاطْمَأَنَّ إِلى مَوْجُودٍ يَنْتَهِي إِلَيْهِ فِكْرُهُ فَهْوَ مُشَبِّهٌ ، وَإِنْ اطْمَأَنَّ إِلى الْعَدَمِ الصِّرْفِ فَهُوَ مُعَطِّلٌ ، وَإِنْ اطْمَأَنَّ إِلى مَوْجُودٍ وَاعْتَرَفَ بِالعَجْزِ عَنْ إِدْراكِهِ فَهُوَ مُوَحِّدٌ.
ذَكَرَ السُّيوطِيُّ في تارِيخِ الْخُلَفاء : أَنَّ قَوْماً سَأَلُوا سَيِّدَنا عَلِيَّ بْنِ أَبي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ اللَّه ؟
َقالَ سَيِّدُنا عَلِيُّ بْن أَبِي طالِبٍ : هُوَ الَّذِي كَيَّفَ الْكَيْف فََََلا يُقالُ كَيْف.
قال الإمام أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه :
(( العَجْزُ عَنْ دَرَكِ الإِدْرَاكِ إِدْرَاكُ ، وَالبَحْثُ عَنْ ذَاتِهِ كُفْرٌ وَإِشْرَاكُ ))
رواه الإمام الزَّرْكَشِي في كتاب تَشْنيف المَسامِع.
نَقَلَ الإِمامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ في شَرْحِهِ عَلى الْفِقْهِ الأَكْبَرِ أَنَّ الإِمامَ أَبا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ : مَنْ قالَ لا أَعْرِفُ اللَّهَ أَفي السَّماءِ هُوَ أَمْ في الأَرْضِ فَقَدْ كَفَر. لأَنَّ هَذا الْقَوْلَ يُوهِمُ أَنَّ لِلَّهِ مَكاناً ، وَمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ لِلَّهِ مَكاناً فَهْوَ مُشَبِّهٌ.
قالَ الإِمامُ أَبو مَنْصُورٍ البَغْدادِيُّ في كِتابِهِ ( الفَرْقُ بَيْنَ الفِرَقِ ) أَنَّ الإِمامَ عَلِيَّ بْن أَبِى طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ :
كانَ اللَّهُ وَلا مَكان ، وَهُوَ الآنَ عَلَى ما عَلَيهِ كانَ.
قال عليه أفضل الصلاة والسلام :
(( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىْ ءٌ غَيْرُ هُ ))
رَواهُ البُخارِيُّ في الصَّحِيحِ وَالبَيْهَقِيُّ في الأَسْماءِ وَالصِّفاتِ وَابْنِ الجارُود في المُنْتَقَى
قال الله تعالى :
} فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأَمْثَالَ { ] سورة :النّحل [
قال الله تعالى :
} لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ { ] سورة: الشّورى [
قال الله تعالى :
}وَكُلُّ شَىْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَار {. سورة : الرّعد
قال الإمامُ أبو حنيفةَ رضي اللَّه عنه في الوصية : نقر بأنَّ اللَّهَ تعالى استوَى على العرشِ من غيرِ أنْ يكونَ له حاجةٌ واستقرارٌ عليه ، وهو حافظُ العرشِ وغيرِ العرشِ من غيرِ احتياجٍ ولو كان محتاجاً لماَ قدر على إيجادِ العالم وتدبيرِه كالمخلوقين ولو كان محتاجاً للجلوسِ والاستقرار فقبلَ خلقِ العرشِ أين كان اللَّه ؟ تعالى عنْ ذلك علوّاً كبيرّاً.
قَالَ الإِمامُ سَيِّدُنا عَلِيُّ بْن طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَرْشَ إِظْهارًا لِقُدْرَتِهِ وَ لَمْ يَتَّخِذْهُ مَكاناً لِذاتِهِ.
رَواهُ الإِ مامُ أَبُو مَنْصُورٍ البَغْدَادِيُّ
قالَ الإِمامُ جَعْفَرُ الصَّادِقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ في شَىءٍ أَوْ عَلَى شَىءٍ أَوْ مِنْ شَىءٍ فَقَدْ أََشْرَكَ إِذْ لَوْ كانَ في شَىءٍ لَكانَ مَحْصُورًا أَوْ عَلَى شَىءٍ لَكانَ مَحْمولاً وَلَوْ كَانَ مِنْ شَىءٍ لَكانَ مُحْدَثاً أَيْ مَخْلُوقاً.
قال رسول ربّ العالمين:
مَا في السَّمَاءِ مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إلا وَفِيهِ مَلَكٌ قَائِمٌ أَوْ رَاكِعٌ أَوْسَاجِدٌ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالى. رَوَاهُ الترمذي عن أبي ذر الغفاري.
في شَرْحِ صَحِيح مُسْلِم يَقولُ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ :
السَّمَاءُ قِبْلَةُ الدُّعَاء.
قال عليه الصلاة والسلام:
(( خَيْرُ القُرُونِ قَرْنِى ثُمَّ الذين يَلُونَهُمْ ثُمَّ الذين يَلُُُُونَهُم )) رواه البخارىّ
قالَ الإِمامُ أَبُو جَعْفََََََرٍ الطَحاوِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ في بَيانِ عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَماعَةِ :
وَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعانِي البَشَرِ فَقَدْ كَفَر.
هدي محمدصلى الله عليه وسلم (48)
تنزيه الله عن مشابهة الخلق
الحمدُ للهِ وصلَّى الله وسلَّمَ على سيِّدنا محمّد وعلى ءالهِ وصحبِهِ الطيبينَ الطاهرين، أما بعد؛
اللهُ تعالى أمرَ نَبيَّهُ أن يطلُبَ الازديادَ مِنْ عِلْمِ الدّين وما أمرَهُ أنْ يطلُبَ الازديادَ مِنْ شَىءٍ إلا مِنَ العِلْم قالَ تعالى: ﴿وقل ربّ زدني علما﴾ هذهِ الآيةُ أمرٌ مِنَ اللهِ لنبيّهِ أن يطلُبَ الازديادَ مِنَ العلم، ما أمرَهُ أنْ يطلُبَ الازديادَ منَ المالِ ولا مِنَ الأولادِ إلا العلم لأنَّ العِلمَ هو دليلُ النجاحِ دليلُ الفلاحِ هو الذي يدلُّ الشخصَ على ما يُنجيهِ مِنَ النكَدِ في القبرِ وفي الآخرةِ، قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلام: ((لا يشبَعُ مؤمنٌ مِنْ خَيرٍ يسمَعُهُ حتى يكونَ منتهاهُ الجنّة)) رواهُ الحافِظُ رزينٌ العَبدَرِيّ، وروايةُ الترمذيِّ: ((لا يشبعُ مؤمنٌ مِنْ خيرٍ حتى يكونَ مُنهاهُ الجنّة)) معناهُ المؤمنُ دائمًا يبقى مُتشوقًا لِسَمَاعِ العِلْمِ والذِّكرِ ونَحوِ ذلك، يبقى مُتشوقًا حتى يَموتَ على ذلك يسمَعُ الخيرَ لاسيَّما عِلمَ الدّين.
في هذا الزّمَنِ كَثُرَ الذينَ يُكَفِّرونَ المسلمينَ بلا حَقٍّ المشبهةُ وجَماعةُ سَيِّد قطب، بسببِ الجهلِ بعلمِ الدين انجرَّ أناسٌ إلى هؤلاءِ وإلى هؤلاء فصاروا كُفَّارًا وهم لا يدرونَ أنهم كفَّار، صاروا في أَسْفَلِ سافلين وهم لا يشعرون.
الْمُشَبِّهُ ما عَرَفَ الله يعتقدُ أنَّ اللهَ جسمٌ، كيفَ يكونُ اللهُ جِسْمًا وهو الذي خَلَقَ الجسم؟! لو كانَ جِسمًا ما استطاعَ أنْ يَخلُقَ شَيئًا مِنْ هذا العالَم، نَحنُ لا نستطيعُ أن نخلقَ ذُبَابَة ولا نستطيعُ أن نَخلُقَ لأنفُسِنا أَنْمُلَةً لأننا جِسم، اللهُ لو كانَ جِسمًا ما استطاعَ أنْ يَخلُقَ الناسَ والنباتَ ولا شيئًا مِنَ العالَم، اللهُ ليسَ جِسمًا لا يُشبِهُ الضوءَ ولا الرِّيحَ ولا الإنسانَ لأنه خَالِقُ هذه الأشياءِ كُلِّها، نَحن وجدنَا أنفسَنا على هذهِ الخِلقَةِ نحن جِسْمُنا مُركّبٌ لذلك يصحُّ في حَقِّنا الجلوس لأنَّ الجالِسَ مركَّبٌ له نصفٌ أعلى ونِصْفٌ أسفل، اللهُ الذي خلَقَنا ليس مُركّبـًا ليس جِسْمًا الجسمُ لا يخلقُ الجسمَ؛ هذه قاعدةٌ ودليلٌ على أنَّ اللهَ لا يُشبِهُ شَيئًا.
الريحُ والروحُ والضوءُ أجسامٌ لطيفةٌ، والسّمٰواتُ والعرشُ والأَرضون والإنسانُ أجسَامٌ كثيفةٌ، اللهُ لا هو كالجِسمِ اللّطيفِ ولا هو كالجسمِ الكثيف، ثم الجِسمُ إنْ كانَ كثيفًا وإن كانَ لطيفًا لابدّ له مِنْ مكانٍ يَحويهِ، ضوءُ الشّمسِ يَحُلُّ في قِسمٍ والظلامُ يَحُلُّ في قِسمٍ وهكذا يتعاقبانِ، اللهُ تعالى لا يَحُلُّ في مكانٍ لأنه ليسَ جِسمًا، نَحنُ لا نعلمُ حقيقةَ اللهِ إنما نعلَمُ بالدَّليلِ النّقليّ والعقليِّ أنه موجودٌ لا يُشْبِهُ شيئًا، وجودُهُ لا ابتداءَ له لأنَّ الذي لوجودِهِ ابتداء يَحتاجُ إلى مَنْ يُخرِجُهُ مِنَ العَدَمِ فيجعلُهُ موجودًا، لذلكَ خالِقُ العالَمِ الله ليسَ لوجودِهِ ابتداء، لو كانَ لوجودِهِ ابتداء لاحتاجَ لِمَن أخرجَهُ مِنَ العدمِ فجعَلَهُ موجودًا أما ما سِوى الله كلٌّ لوجودِهِ ابتداء. هذا الفراغُ ما كانَ في الأزلِ ثُمَّ خلَقَهُ الله، في الأزلِ لَم يكن شىءٌ إلا الله ثم اللهُ أوجَدَ الأماكِنَ والجهات فهو موجودٌ بلا مكان. الذي يعتقدُ أنَّ اللهَ حالٌّ في جِهَةِ فوق جعلَ له مكانًا فهو كافِر والذي يعتقدُ أنَّ اللهَ حلَّ في كُلِّ مكانٍ بذاتِهِ فهو كافر. الاعتقادُ الصَّحيح اعتقادُ أهلِ السنةِ الصّحابَةِ ومَنْ جاءَ بعدَهُم أنَّ اللهَ موجودٌ بلا مكانٍ لأنه ليسَ جِسمًا.
ثُمَّ اللهُ تعالى له كَلامٌ واحدٌ بِهذا الكلام يُحاسِبُ العبادَ فيفهمونَ السؤالَ: ألَمْ أُعطِكَ كذا، لِم فَعلتَ كذا، لِمَ لَمْ تفعل كذا. وليسَ كلامُهُ حَرفًا وصَوتًا، لو كانَ اللهُ يتكلّمُ بالحرفِ والصوتِ يقرأُ كما نَحنُ نقرأُ (بسمِ اللهِ الرّحمٰنِ الرّحيم) لكانَ فيهِ تَعَاقُبٌ وهذا لا يجوزُ على الله. إبليس يُمكنُ عُمرُهُ مِائةُ ألفِ سنةٍ أو أقلُّ أو أكثرُ اللهُ أعلمُ، هذا لو كانَ سؤالُهُ بالحرفِ والصَّوتِ لأكَلَ[1] وَقتًا طويلاً واللهُ يقولُ عن نفسِهِ: ﴿وهو أسرع الحاسبين﴾ فلو كانَ حسابُهُ للعِبادِ بالحرفِ والصَّوتِ لكانَ أبطَأَ الحاسبين لَمْ يكُن أسرَعَ الحاسبين، والجِنُّ أكثرُ مِنّا وأعمَارُهُم أطولُ مِنْ أعمَارِنا في العادَةِ فلو كان حسابُهُم بالحرفِ والصَّوتِ لأكلَ وقتًا طويلاً. شَدَّادُ بنُ عادٍ كان مَلِكًا حَكَمَ الدُّنيا وعاشَ تِسْعَمِائَةِ سَنة وحَكَمَ مِائتَينِ وستِّينَ مَلِكًا هذا لو كان حسابُهُ بالحرفِ والصَّوتِ لأكلَ وقتًا طويلاً.
يومَ القيامَةِ بعدَ أنْ يُحيِ اللهُ الخلقَ ويَحشُرَهُم يُنادي مَلَكٌ بأمرِ اللهِ: ﴿لمن الملك اليوم ﴾ ثُمَّ الملَكُ يُجيبُ نفسَهُ: لله الواحد القهّار ﴾ أي لا مَلِكَ مِنَ البشرِ في ذلكَ اليوم يَحكُمُ بينَ الناس ويُديرُ شؤونَهم، إعلامًا بذلك يُنادِي هذا الملَك ويقولُ ذلك؛ اللهُ هو الذي يُديرُ شؤونَ الخلقِ يومَ القيامَةِ. في بعضِ التفاسيرِ مَكتوبٌ إنَّ اللهَ يَسألُ: ﴿لمن الملك اليوم﴾ ثم هو يُجيبُ نفسَهُ بنفسِهِ: لله الواحد القهّار ﴾ وهذا غيرُ صَحيحٍ.
ومعنى قولِ اللهِ تعالى: ﴿وأشرقت الأرض بنور ربّها.أي بِحُكْمِ الله، أي في يومِ القيامَة لا حُكْمَ لأحدٍ لا لِمَلِكٍ ولا لأميرٍ إلا لله. ا.هـ
هذه الآية مِنَ الآياتِ التي يذكرونها أمامَ العوامّ في التدريسِ، أنه مثل هذه الآية: ﴿وأشرقت الأرض بنور ربّها ﴾ من أين يعرف الشخص أن هنا معنى ﴿ بنور ربّها ﴾ بحكمِ الله؟! الذي يخطر في بالِ الجاهل النور (الضوء) وقد يظنُّ إذا كان مُشبّها أنه في يوم القيامة أنّ اللهَ ضوء يُنيرُ الأرض وإذا لَم يكن مُشبّهًا قد يخطر في بالِهِ أن الله يخلق نورًا تضاءُ به الأرض، هنا :بنور ربّها ﴾ معناه بِحكمِ الله. فالآيات التي تورد عند تعليمِ الناس حتى يُفهَّموا أنَّ القرءانَ لا يُفسَّر بِمجرّدِ ما يخطر في ال